من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- -فصلُ الخطاب
المقالات > > فصلُ الخطاب
عدد المشاهدات : 0
تاريخ الاضافة : 2021/08/05
المؤلف : أبو عبدالرحمن الصومالي


بسم الله الرّحمن الرّحيم
فصلُ الخطاب

كثيرُون
من النّاسِ الّذين ينقُصُهم فهمُ حقيقة التّوحِيدِ يُكرِّرُون هذا
السُؤال: ما حُكمُ من يقُولُ "لا إله إلا الله" ولا ترى منهُ شِركًا؟، وقد
يزِيدُ بعضُهم قائلا: أريدُ كلمةً واحدةً تكُونُ فصلَ الخطاب، هو مُسلمٌ أو
هو كافرٌ؟.


والجواب:
(أولا)
العِلمُ يُوجبُ الصدقَ،
ويُوجِبُ عدمَ كتمانِ الحقِّ، والمسائلُ مُختلفةٌ، منها ما لا يحتاجُ إلى
تفصِيل كثير، ومنها ما يحتاجُ إليه. ومن أجملَ المسألة التي تحتاجُ إلى
تفاصِيل؛ لم يُفتِ بالحقِّ وكتمَ العِلمَ وأثِمَ.


الأمثلة من النّوع الأول:
1ـ هل لله شُركاء؟. الجوابُ إنّ الله لا شريكَ لهُ.
2ـ ما الشهرُ الّذي يجبُ على المسلم صيامُهُ؟. الجوابُ شهرُ رمضان.
3ـ متى يقفُ المسلمُون بعرفة؟. الجواب: اليومُ التّاسع من ذي الحِجّة.

الأمثلة من النّوع الثاني:

إذا قال لكَ: أليست الصلاةُ تصحُّ من الإنسانِ؟ أريدُ كلمةً واحدةً تكُونُ
فصلَ الخطاب، تصحُّ أو لا تصحُّ؟. فإذا أجاب المُفتي قائلا "تصحُّ"، لم
يقُل الحقَّ كاملا صريحًا، وإذا قال: "لا تصحُّ"، لم يقُل الحقَّ كاملا
صريحًا كذلك.

والجوابُ الصحيح الصريح هو أن يقُولَ: تصحُّ من المسلم
الّذي أكملَ شرُوطها، ولا تصحُّ من الكافر، ولا من المُسلم الّذي لم يُكملْ
شُرُطها.

2ـ إذا قال لكَ: أخبرنِي مقدارَ زكاةِ المالِ؟ أريدُ كلمةً
واحدةً تكُونُ فصلَ الخطاب، أخبرْني رقمًا واحِدًا؟. فلا يحلُّ للمُفتي أن
يُجِيبَ برقمٍ واحِدٍ.

والجوابُ الصحيح الصريح هو أن يقُولَ: زكاةُ
الأموالِ مُختلفة، فليست زكاةُ النّقدين كزكاة الإبل، وليست زكاةُ البقر
كزكاة النّقدين وزكاة الإبل، وكذا زكاةُ الغنم تختلفُ عن المذكورين، وكذا
زكاة عرُوض التجارة وزكاة الزروع. ولكلّ نوع من المال نصابٌ خاص، إذا
بلغَهُ وحال عليه الحول وجبت عليه الزكاة بمقاديرها المُعيّنة في الشريعة.


وإذا قال لكَ: ما حُكمُ من قال (لا إله إلا اللهُ) ولا أرى منهُ شِركًا؟
أريدُ كلمةً واحدةً تكُونُ فصلَ الخطاب، هو مُسلمٌ، أو ليس بمُسلم؟. فإذا
أجاب المُفتي قائلا "هو مُسلمٌ"، لم يقُل الحقَّ كاملا صريحًا، وإذا قال:
"ليس بمُسلم"، لم يقُل الحقَّ كاملا صريحًا كذلك.

والجوابُ الصحيح الصريح هو أن يقُولَ: المسألةُ لها تفاصيل:
ــ
الوثنيُّ إذا كان مُنكرًا لقولها في الكُفر، وقال (لا إله إلا اللهُ)
يُحكَمُ بِإسلامِهِ على مذهبِ بعضِ العُلماءِ، أمَّا على مذهبِ غيرهم
فإنّهُ يُحقنُ بها دمُهُ فإذا أقرّ بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حُكِمَ
بإسلامِهِ.

ــ وتصحُّ من الكتابِي إذا أقرَّ برسالة النّبيِّ صلّى اللهُ
عليهِ وسلّم. لأنّهُ كان يقُولُ: (لا إله إلا اللهُ) وهو كافرٌ بإنكار
الرِّسالة، فإن تابَ وأقرّ بالشهادتين حُكمَ بإسلامِه.

ــ وتصحُّ من
اليهُوديِّ، من الشاذكانية أو العيسوية؛ إذا أقرَّ برسالة النّبيِّ صلّى
اللهُ عليهِ وسلّم، وأنَّ اتّباعَهُ واجبٌ عليه. لأنّهُ كان يقُولُ: (لا
إله إلا اللهُ، محمّدٌ رسُولُ الله) وهو كافرٌ باعتقاد أنّ رِسالتهُ إلى
العربِ خاصّةً، فإن تابَ وأقرّ بأنّهُ مبعُوثٌ إلى جميع الخلق حُكمَ
بإسلامِه.

ــ وتصحُّ من المُرتدّ عن الإسلام؛ إذا أقرَّ برجُوعِهِ
وتوبتِهِ عمّا صارَ بِهِ مُرتدًّا. لأنّهُ كان يقُولُ: (لا إله إلا اللهُ،
محمّدٌ رسُولُ الله) وهو كافرٌ بأمرٍ آخر؛ دون إنكار للشهادتين.

فإن قيلَ: هل لكُم أدلّةٌ وسلفٌ في هذا التفصِيل، قُلنا نعم، أمّا الأدلّة فنكتفِي:
(أ)
بكون الكتاب والسُنّةِ يشترطان أنْ يُقرَّ بالشهادتين أو ما يقُومُ
مقامهما، ويتبرّأَ مما خالفَ الإسلام. كما قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ) (التّوبة:11)، وكما جاء في الصحيح: "من قال لا إلهَ إلا الله
وكفر بما يُعبدُ من دونِ الله حرُمَ مالُهُ ودمُهُ، وحسابُهُ على الله عزّ
وجلّ".

(ب) وبكونِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، لم يجعل قول
اليهُود لا إله إلا اللهُ عاصمًا لدمائهم، بل قاتلهم وأجلاهم من المدينة،
ثُمّ أمر بجهاد النّصارى في الشام. مع أنّهُ زجر عن قتل الوثنيين إذا
قالُوا (لا إله إلا اللهُ).

(جـ) وبكونِ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم؛ قد
أجمعُوا على تكفير وقتال بني حنيفة ومانعِي الزكاة والسبئية، وهم يقُولُون
"لا إله إلا الله، محمّد رسُولُ الله". ولم يحقنون دماءهم بنطقهم
بالشهادتين، قبل الانخلاع عمّا صارُوا بِهِ كافرين.

وأمّا أقوال الأئمة، فنكتفِي بقولِ الشافعيّ والبغويّ:
1ـ قولُ الإمام الشافعيّ في "الأُمّ" (150ﻫ - 204ﻫ):
والإقرار
بالإيمان وجهان: "فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعى أنّه دين
النُّبوة ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله
فقد أقرّ بالإيمان ومتى رجع عنه قُتل، قال: ومن كان على دين اليهودية
والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد
بدّلوا منه، وقد أُخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمّد رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم فكفروا بترك الإيمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على
الله قبله، فقد قيل لي: إنّ فيهم من هو مُقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله
إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقول: "لم يبعث إلينا"، فإن كان فيهم
أحدٌ هكذا فقال أحدٌ منهم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده
ورسوله" لم يكُن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول: "وأنّ دين محمّدٍ
حقٌّ أو فرضٌ وأبرأ مما خالف دين محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم أو دين
الإسلام"، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان، فإذا رجع عنه
أُستُتِيبَ، فإن تاب وإلاّ قُتل.

فإن كان منهم طائفةٌ تُعرَف بأن لا
تُقرّ بنبوة محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلاّ عند الإسلام، أو تزعم أنّ من
أقرّ بنبوته لزمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده
ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان، فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا، فإن
تابوا وإلاّ قُتلوا"، موسوعة الشافعيّ: [المجلّد السابع، ص: 596].


وقال الإمام الحسين البغوي (ت: 516هـ): "الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا
يقرّ بالوحدانية فإذا قال: "لا إله إلا الله" حُكم بإسلامه ثم يُجبر على
قبول جميع أحكام الإسلام ويَبْرأ من كل دين خالف دين الإسلام. وأما من كان
مقراً بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يُحكم بإسلامه حتى يقولَ محمدٌ
رسولُ الله. وإن كان يعتقدُ أنَّ الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلابد
أن يقول: " إلى جميع الخلق". فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرَّم
فيُحتاجُ أن يرجع عما اعتقده. ا ﻫ [فتح الباري: 12/279].

وقال فى شرح
السنّة : وقوله: " حتى يقولوا: لا إله إلا الله " أراد به عبدة الأوثان دون
أهل الكتاب، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم لا يُرفَعُ عنهم السيف حتى
يقروا بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو يعطوا الجزية. (166)

أقُولُ:
ما الّذي حمّلَ الأئمّة على التفصيل، الجواب لعلمهم بنوع المسألةِ،
ولكونها مما يحتاجُ إلى تفصيل. والتفصيلٌ مُؤيّدٌ بالأدلة العلميةِ وسببُ
صُعُوبة فهمها عند العامّةِ ما هيَ إلا لكونهم تربَّوا على الإرجاء الغالي
الّذي هو من أسبابِ إماتةِ حقيقة الإسلام من القُلوب، وتصويرهِ كلمات جوفاء
تُردَّدُ بالألسنة، ولا مكانَ لها في الحياة الواقعيّة.

(ثانيًا)
أمّا
القولُ: "لا أرى منهُ شركًا"، فليسَ بحُجّةٍ، لأنّ الإنسانَ الكافر كافرٌ
في جميع ساعات حياتِهِ، لا يُحصَرُ كُفرُهُ في لحظات التكلُّم بالكُفر، فهو
كافرٌ إذا نام وإذا قام وإذا صلّى وإذا حجَّ. هو كافرٌ ليلا ونهارًا إلا
أن يُسلمَ، فاستوى لحظةُ دُعائِه اللهَ وحدهُ، ولحظةُ دُعائِهِ الأموات
والأوثان.

قال اللهُ تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ
إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبُوت:65). فهو حين يدعُوا الله وحدهُ لم
يَصِرْ بالدُعاءِ مُسلمًا لأنّهُ ليسَ تائِبًا من دعوةِ غيرِ الله. وإذا
صلّى وصام وحجَّ لم يَصر بهذه الطاعات مُسلمًا؛ لعدم توبتِهِ من الشِركِ.

وقد
قال اللهُ تعالى عن طاعات المُشركين عامّةً: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:88). فإذا كانت صفةُ الشركِ لا
تزُولُ عن المُشركِ وهو يعملُ صالحًا، فهل تزولُ عنهُ إذا كان في أعمالهِ
الدنيوية، ولا تراهُ يعملُ صالحًا أو سيّئًا.

(تمّت)


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping